كاثي جيلسينان ومايك جيغليو
2019-05-28
المعروف والمسكوت عنه حول ما يحدث مع إيران
كاثي جيلسينان ومايك جيغليو
The Atlantic
15 أيار 2019
إشارات متضاربة يرسلها كلا الجانبين يمكن أن تحث الخطى نحو حرب أو صفقة تجارية كالمعتاد
تعبر حاملة الطائرات القتالية أبراهام لينكولن قناة السويس في مصر. وتنتشر حاملة الطائرات ومجموعتها القتالية في الخليج الفارسي بناء على أوامر من البيت الأبيض رداً على تهديد غير محدد من قبل إيران. هذا ما صرح به خبير في الاتصال الجماهيري من الدرجة الثالثة يدعى داريون شانيل تريبليت من البحرية الأمريكية لوكالة الأنباء AP.
"أشعر بالمتعة حين أقرأ التقارير التي تقول أن لا شيء قد حدث لأنه كما نعلم هنالك المعروف وغير المعروف، ثمة أشياء نعرف أننا نعرفها، ونعرف أيضاً أن ثمة أشياء مسكوت عنها وهي معروفة؛ وهو ما يمكن قوله بعبارة أخرى: هنالك ما ليس لدينا علم به. لكن هناك ما هو مسكوت عنه وغير معروف؛ أي الأمور التي لا نعرف أننا لا علم لنا بها".
كان المتحدث هو دونالد رامسفيلد يتحدث من منبر البنتاغون في عام 2002 حول تقييم للتهديد العراقي. الأسبوع الماضي الذي كان مليئاً بالاستفزازات والاستفزازات المضادة بين الولايات المتحدة وإيران، بما في ذلك نشر حاملة الطائرات الأمريكية وقاذفة الصواريخ، والتفجيرات الغامضة التي طالت ناقلات النفط، والهجوم بطائرات مسيرة على منشآت نفطية سعودية من قبل الحوثيين حلفاء الإيرانيين في اليمن، والانسحاب المفاجئ لبعض الشخصيات الأمريكية من السفارة الأمريكية في بغداد؛ كل ذلك أعاد إلى الأذهان مقارنة مخيفة مع تلك الحقبة والصراع العسكري الذي أنذرت به. قد لا تكون المقارنة مناسبة على الإطلاق إلا أن ثمة تشابه أساسي بين اليوم والماضي؛ فالشعب الأمريكي يجد نفسه في وسط ضباب لشيء أشبه بالحرب مع وجود طرائق قليلة لتقييم ما يمكن أن يحصل.
لا يزال غير معروف ما أثارته الاستخبارات الدقيقة بعجالة في إعلانها الأسبوع الماضي والذي جاء على لسان مستشار الأمن القومي جون بولتون حول أن الولايات المتحدة ترسل حاملة المجموعة القتالية إلى المنطقة في مواجهة إشارات وتحذيرات مقلقة ومتصاعدة. ولا يزال غير معروف من كان وراء تفجيرات الناقلات، وهو ما نفت إيران مسؤوليتها عنه لكن لا يزال المسؤولون الأمريكيون يشتبهون بقيامها بهذا العمل. ولا يزال غير معروف ما هو بالضبط الذي أدى إلى إصدار أمر إخلاء السفارة وما هو مدى التهديد الذي تشكله الميليشيات المدعومة من قبل إيران في العراق على القوات الأمريكية في أعقاب حملة الضغط القصوى التي تمارسها واشنطن ضد طهران.
كل ما تضيفه بالاعتماد على من يمكنك سؤاله هو العاصفة المتجمعة من العراق 2.0، والوضعية المثالية والمرونة المصممة خصيصاً لاحتواء التوترات وليس لتصعيدها. بمثل هذه المعلومات الضئيلة يمكنك النظر إلى التطورات العامة والتوصل إلى نتائج معاكسة بشكل كبير حول ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط. في الحقيقة، بالنظر إلى تاريخ العلاقات الإيرانية – الأمريكية خلال فترة إدارة ترامب على وجه الخصوص يمكن رؤية تماثل واحد وهو أن التوترات الحالية إنما هي روتين معهود وستهدأ لاحقاً، كما جرى في غيرها من الجولات السابقة.
المشكلة تكمن في التصعيدات التي تأتي في سياق معلومات ضبابية وغير مكتملة كما يذكر المسؤولون الأمريكيون نقلاً عن تقارير استخباراتية لتهديدات إيرانية دون أن يأتوا على ذكر ماهية هذه التهديدات. وينظر الإيرانيون في الكثير من المعلومات المشابهة، وإن كانوا يخمنون ما تعنيه على نحو خاطئ فإن الصراع – ولا أحد يقول إنهم يريدون المخاطرة – يقترب أكثر فأكثر مع المبالغة في أي رد فعل أو التصعيد المخطط له على عجالة.
من جهة، يوجد من يسمع، في خضم التدهور الثابت للتوصيفات الغامضة للتهديد الذي ربطته الاستخبارات بمحادثات حادة صدرت عن المسؤولين الأمريكيين، أصداء مقلقة للأحداث التي سبقت حرب العراق. فقد استقال غريغ ثيلمان على سبيل المثال احتجاجاً من وظيفته الحكومية التي قضى فيها خمسة وعشرين عاماً حتى غزو العراق. كان ثيلمان مسؤولاً في فرع الاستخبارات التابع لوزارة الخارجية وشعر بأن الاستخبارات كانت مسيطراً عليها بشكل يتم من خلاله تبرير خيار الحرب في الشرق الأوسط. يعمل ثيلمان الآن في هيئة الحد من الأسلحة وقد أخبرنا بأنه يرى إشارات – لا تعود للماضي البعيد – في التوترات المتصاعدة مع إيران اليوم. "من غير المريح أن تتابع هذا الأمر وتلاحظ التشابهات. إحدى هذه التشابهات هي التقديم الانتقائي للاستخبارات،" وفق ما يقول.
يقول إن هناك اختلافات هامة عن الحال مع العراق ولكنه لا يشعر بأن الطريقة التي صور بها المسؤولون الأمريكيون الخطر الإيراني الجديد المزعوم كانت كافية. "لم نرَ أية تفاصيل حول هذا الموضوع. أين التسريب العام للمعلومات التي تعتبر المفتاح الأساسي لمواضيع الحرب والسلم؟ هل أدلوا بشهادة إلى الكونغرس؟ وما هو الذي برر اتخاذ هذه الإجراءات المتطرفة؟
شعر ثيلمان الذي عمل في عهد بولتون في وقت سبق حرب العراق بالقلق – كما الكثيرين – بخصوص مستشار ترامب من الصقور والذي اعتقدوا أنه يدفع الرئيس نحو صراع عسكري. إلا أن هذه مسألة مفتوحة يتعلق بمدى النفوذ الذي يتمتع به بولتون بهذا الخصوص إذا ما نظرنا إلى رغبة الرئيس، التي طالما صرح بها، في الانسحاب من الشرق الأوسط. وفقاً لتقرير صدر مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست فقد كان رد ترامب ينم عن الخيبة عندما شعر بأن بولتون يدفعه بشدة نحو نقطة استشراف أخرى؛ أي نحو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. وفي معرض رده حول سؤال علني عن بولتون قال ترامب إنه يحبه ويتلقى منه نصيحة جيدة ولكنه قال مازحاً: "أنا فعلاً أناكد جون، وهذا ممتع جداً. أليس كذلك؟ في النهاية أنا منوه يتخذ القرار.
يوم الثلاثاء هدد علناً بإرسال قوات إلى المنطقة كما ونفى أيضاً تقريراً ورد في صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "أصداء حرب العراق" لدرجة أن الإدارة راجعت خطة طوارئ وضعها الجيش الأمريكي بناء على توجيهات بولتون من أجل إرسال 120.000 جندي إلى هناك. (تخطط القوات الأمريكية لكثير من حالات الطوارئ). قال ترامب للصحفيين: "أظن أنها أخبار كاذبة، أليس كذلك؟ هل أفعلها أنا؟ بالتأكيد. لكننا لم نخطط لذلك. نأمل ألا يتوجب علينا أن يكون لدينا خطة لذلك، وإن حصل فسنرسل جحيماً من القوات الإضافية تفوق ذلك
من جهة أخرى، فإن التهديدات التي أدلى بها مسؤولون رفضوا الكشف عن أسمائهم لوسائل إعلام متعددة تشتمل على تحركات الصواريخ وتهديدات للسفن في الخليج الفارسي وتحضيرات مع وكلاء إيران على استهداف الولايات المتحدة وحلفائها. وفي وقت مبكر من هذا الأسبوع قال السعوديون والإماراتيون؛ خصوم إيران الإقليميون، إن ثلاثاً من ناقلاتهم تم تخريبها لكن دون ذكر للمشتبه به. ونقلت شركة نرويجية إن إحدى ناقلاتها في المنطقة تعرضت لأضرار. ونقل عن مسؤولين أمريكيين اشتباههم بأن تكون إيران وراء الحادثة إلا أنهم لم يتقدموا باتهامات علنية بعد. يمكن اعتبار هذه الحوادث على أنها مؤشرات على أن التهديدات كانت حقيقية وأن القلق كان هناك ما يبرره. وفي الوقت نفسه، فمثل هذه التحركات كانت منسجمة مع الأنشطة الإيرانية في المنطقة والتي يصفها المسؤولون الأمريكيون بدقة على أنها جزء من الأسباب التي دفعت إدارة ترامب إلى شن حملة الضغط القصوى عليها.
التحركات الأمريكية الأخيرة غير بعيدة عن الممارسات السابقة. تحركات ناقلة الطائرات في الخليج روتينية والانتشار الحالي هو مجرد تسريع للجدول الزمني لمهمة كانت بالفعل في طريقها للتحقق منذ شهر. تم نشر بطارية واحدة مضادة لصواريخ الباتريوت في المنطقة الأسبوع الماضي لتحل محل أربعة تم سحبهم الشهر الماضي. كل هذا يحدث الآن في وقت أصبحت فيه الولايات المتحدة وسط انسحاب أوسع مخطط له من المنطقة.
يقول إيلان غولدينبرغ وهو زميل بارز في مركز الأمن الأمريكي الجديد عمل على الموضوع الإيراني في البنتاغون أثناء إدارة باراك أوباما: "لا أظن أن هذا الأمر سيء كما يتم تصويره، لكن هناك أسباب كثيرة تدعو للقلق".
يضيف: "إذا انسحبنا ونظرنا بموضوعية إلى الأصول التي تضعها الولايات المتحدة في المنطقة – حاملة واحدة كان يفترض لها أن تذهب إلى هناك بكل الاحوال، وبطارية صواريخ باتريوت واحدة بعد أن أزحنا أربعة، أربعة قاذفات – الولايات المتحدة لن تذهب إلى حرب مع إيران بهذه الأصول. الأمر كله يتعلق بالضجة حول الحرب، وخطاب بولتون هو ما فجر كل هذا."
قد تكون كوريا الشمالية في عام 2017 تقريباً تشبيهاً أفضل لفهم التطورات الحالية من عراق 2003 تقريباً. في صيف وخريف ذلك العام كانت كوريا الشمالية تختبر صواريخ وأسلحة نووية وكان ترامب يطلق التهديد والوعيد وكانت التقارير الإخبارية تنقل خططاً عسكرية وصراعات داخلية ضمن إدارة ترامب حول اتباع أي من السبل. وكان هناك حلقة قال فيها ترامب إنه سيرسل أسطولاً بحرياً إلى بحر اليابان لردع الكوريين الشماليين في وقت كانت فيه حاملة الطائرات التي يتم النقاش حولها على بعد بضعة آلاف من الأميال وتتجه في الاتجاه المعاكس. وفي النهاية، بدا ترامب وكأنه يستخدم حافة الهاوية كوسيلة ضغط من أجل عقد صفقة، أفلتت من يده مؤخراً. وبغض النظر عن ذلك، فقد انخفض التوتر على نحو معقول وبشكل فجائي.
قد يفتقر ترامب إلى رؤية قوية للعالم إلا أن الموضوع الثابت الذي يحبه منذ حملته كان رغبته بالانسحاب من النزاعات في الشرق الأوسط. وشاركه العديد من مؤيديه بهذا الهدف، وسيكون من الصعب عليه تبرير البدء بنزاع جديد. وقد شدد المسؤولون الأمريكيون في الأيام الأخيرة على أنهم لا يسعون إلى شن حرب عسكرية بالرغم من أنهم مستعدون للانخراط في حرب إن لزم الأمر. إن فرضية أن حافة الهاوية يمكن أن تدفع إيران إلى طاولة المفاوضات بنفس الطريقة فرضية خاطئة بالنظر إلى أن الإيرانيين يشعرون بالإحباط من قرار ترامب بالانسحاب من الصفقة الأخيرة التي أبرمتها طهران مع الأمريكيين. وفي المقابل، إيران التي تفتقر إلى نفوذها الخاص قد تسعى إلى مراكمة النفوذ من خلال تصعيد التوتر.
وجود إشارات علنية متضاربة، كما في حالة كوريا الشمالية، يجعل من الصعب تبين نوايا الإدارة الأمريكية. ففي يوم الثلاثاء على سبيل المثال قال نائب قائد قوات التحالف ضد الدولة الإسلامية في المنطقة اللواء غريس غيكا للصحفيين في البنتاغون عبر رابط فيديو من بغداد أنه لم يكن هناك تهديد متزايد من القوات المدعومة إيرانياً في العراق وسورية، رغم أنه قال لاحقاً إن التحالف كان يراقب مجموعة من الأخطار من قبل عدد من الميليشيات التي تصعد وتخبو بالاعتماد على مجموعة من العوامل. وعند سؤاله فيما إن كان يشعر بالقلق من التعليقات الأمريكية التي تعرض قوات التحالف للخطر أجاب: "وهل أنا معني بالخطر؟ ليس كذلك بالفعل".
وقد تحدى بيل أوربان المتحدث باسم القيادة المركزية التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لاحقاً هذه التعليقات قائلاً إنها تسير بخلاف الأخطار المعقولة المحددة والمتوافرة لدى الاستخبارات في الولايات المتحدة وحلفائها بخصوص القوات المدعومة إيرانياً في المنطقة.
وهناك تشابه آخر يمكن أن يكون فنزويلا. هناك، بخلاف إيران، وضعت الإدارة سياسة صريحة لتغيير النظام ولكنها تسعى إليها بشكل كلي من خلال فرض العقوبات والضغط اللفظي. ورغم أن المسؤولين غالباً ما يستحضرون الخيار العسكري إلا أن الجيش يُستخدم لتقديم الدعم الإنساني، وليس هناك دلالات على أي أعمال عدائية وشيكة. هناك، تحاول الإدارة تجربة إخراج النظام دون أن تطلق طلقة واحدة. في الحالة الإيرانية، ألمح عدد من مسؤولي الإدارة أنهم يفضلون حكومة مختلفة في طهران ولكنهم توقفوا وكانوا حذرين قبيل التعبير عن سياسة تغيير النظام والقول علنياً إنهم يحاولون فقط تغيير سلوكيات النظام.
يقول مايكل سينغ وهو زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والذي كان مديراً للشرق الأوسط في البيت الأبيض في عهد جورج بوش: "أعتقد أن علينا أن نكون حذرين وعلينا ألا نرمي بكل التحليلات العميقة لأن الأحداث بدأت بالتسارع"
يشير إلى أن إيران تتخذ أفعالاً يتوقعها المرء تقريباً بالنظر إلى جهود الإدارة لخنق الصادرات النفطية، بما في ذلك الهجمات المحتملة على البنية التحتية للطاقة في المنطقة. ويشير أيضاً إلى أنه في ظل إدارة ترامب لم تقم إيران بأي نوع مشابه للتحرش البحري ضد السفن الأمريكية الذي كانت تقوم به في الماضي، وهذا مؤشر محتمل أن الإدارة تردعها من القيام بنشاطات مشابهة. لكنه يضيف أن المواجهة لا تزال تبدو تتحرك باتجاه مرحلة خطيرة مع عدم وجود أي دبلوماسية للحديث عن كونها صمام إطلاق التوترات.
ويقول إن الحقيقة حول أن أياً من الطرفين لا يسعى إلى النزاع لا يعني أن النزاع لن يحدث ولكن تخفيف التوترات يمكن أن يبقى محتملاً أيضاً.