بهادراكومار
2019-05-09
Indian Punch Line
ترجمة: مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية
26 نيسان 2019
ورد على لسان ونستون تشرتشل مرة أنه يمكن مقارنة السياسة الروسية بنزال كلاب تحت البساط، حيث يسمع الشخص الخارجي زمجرة فقط وعندما ينظر يرى العظام تتطاير من أسفل البساط ويتبين من الفائز الحقيقي. تتضح هذه الاستعارة مع إدراك التذبذب في نوبات الغضب الأمريكية – الإيرانية.
الفارق الوحيد يكمن في أن العظام لا تتطاير في وقت لا تزال فيه الزمجرة مستمرة.لقد مضى أربعة عقود على ذلك. بعبارة موجزة، يمكن القول إنه في الوقت الذي تكون فيه صعوبة في الكشف عن الحقيقة ليس ثمة صعوبة بالغة في فهم النموذج العام.
وفي المقلب الآخر، فإن الإدارة الأمريكية تزمجر بشكل ينذر بالسوء. فقد اتخذت الولايات المتحدة خطوتان أساسيتان خلال الأسابيع القليلة الماضية في استراتيجية (تصعيد الضغط) على إيران؛ أولاً عبر اعتبار الحرس الثوري الإسلامي الإيراني منظمة إرهابية أجنبية، وثانياً عبر اتخاذ قرار بإنهاء ما يسمى بالإعفاء من العقوبات بخصوص ثمانية دول تستورد النفط الإيراني.
وردت إيران بالزمجرة عبر التصريح باعتبار القيادة المركزية الأمريكية في الدوحة منظمة إرهابية. وفيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني، فلم تهتم بها طهران بكل بساطة، معبرة عن ذلك بقول آية الله خامنئي إن إيران سوف تستمر بتصدير النفط الخام وفقاً لحاجاتها ورغباتها، في تحد واضح للعقوبات. وأعرب وزير الخارجية جواد ظريف إن إيران ستكون مرنة في وجه العقوبات الأمريكية وإن هناك طرقاً التفافية موجودة على الدوام وإن الإيرانيين هم الأكثر تميزاً في ذلك في المنطقة.
وعادت الولايات المتحدة لذات المسألة وهي اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، فأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء الماضي بيانين توضح فيهما طبيعة الاستثناء لإطلاق هذه التسمية. ووفقاً لهذين التنازلين، فلن تكون الحكومات الأجنبية والشركات التجارية التي تتعامل مع الحرس الثوري والشركات التابعة له عرضة لحظر السفر إلى الولايات المتحدة. وقد أوضح وزير الخارجطية الأمريكي مايك بوميو إنه قرر التنازل عن حظر السفر وذلك لصالح السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي.
الحقيقة أن الولايات المتحدة ترى أن من الحماقة حظر الاتصالات مع الحرس الثوري الإيراني في دول كالعراق أو أفغانستان حيث لإيران حضور قوي في المجال الأمني. يمكن القول إن السياسات الأمريكية في هذه الدول تعاني بشدة إن لم يكن هنالك تعاملات مع الحرس الثوري الإيراني بموجب القانون الأمريكية، إذ تدرك واشنطن جيداً أن الحرس الثوري الإيراني لعب دوراً محورياً في هزيمة الدولة الإسلامية في كل من سورية والعراق.
والأكثر إدهاشاً هو التقرير الذي صدر عن الولايات المتحدة بعد كل شيء وفيه تغيير للرأي ومنح للإعفاءات لتلك الدول التي تستورد النفط الإيراني لما بعد الثاني من أيار. ونقلت وكالة الأسوشييتد برس عن مساعدي الكونغرس والمستشارين الخارجيين المطلعين على المسألة أن واشنطن قد تعيد النظر في القرار المتعلق بإنهاء الإعفاءات.
ووفقاً لتقرير صادر عن الوكالة فثمة سيناريو واحد يمكن اعتباره من قبل إدارة ترامب وهو أنه يمكن السماح لمشتري النفط الإيراني بالتقدم بطلبات للحصول على النفط الإيراني والدفع مقابل ذلك قبل 2 أيار. ويمكن بعد ذلك أن تقدم واشنطن اعفاءات من تلك العقوبات لنقل وتكرير النفط بموجب القانون الصادر عام 2012، علماً أن وزارة الخارجية الأمريكية امتنعت عن التعليق على إمكانية استمرار واردات النفط الإيراني دون عقوبات.
ويبدو على نحو متزايد أن الأصوات المزمجرة من واشنطن وطهران قد تكون خادعة. فوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي يزور الولايات المتحدة، بزعم حضور مؤتمر للأمم المتحدة، قد تقدم بمشروع في مؤتمر المجتمع الآسيوي (Asia Society) يوم الأربعاء يتعلق برغبة إيران لعقد حوار جدي مع الولايات المتحدة حول تبادل للسجناء من كلا البلدين.
معروف أن ترامب مشوش بخصوص المواطنين الأمريكيين الموجودين في السجون الإيرانية بتهم التجسس، لكن لا تزال واشنطن مصرة على إطلاق سراحهم بشكل أحادي الجانب من قبل إيران فقط.
وكشف ظريف وقتها عن عرضه بأن طهران جاهزة لاتخاذ إجراءات تبادل الأفراد المدانين الذين تم سجنهم من قبل القضاء الإيراني بموجب تهم محددة، ولكن بشكل مشترك؛ أي مقابل الإفراج عن جميع الإيرانيين المسجونين في الولايات المتحدة، وإسقاط الملاحقات بشأن كل المحتجزين في الدول المختلفة بتهم خرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والتي تمت غالباً بضغط من الولايات المتحدة.
الظريف في الأمر أن ظريف اعترف بأنه تلقى رسالة من المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن روبرت سي أوبرايان يطلب منه فيها إطلاق سراح جميع المواطنين الأمريكيين المعتقلين. وقد كشف ظريف عن هذا الاتصال وطلب من مساعده كتابة رسالة لوزير الخارجية مايك بومبيو مقترحاً عليه مسألة تبادل السجناء أو تصعيد مسألة الإيرانيين المعتقلين بدعوى خرق قوانين العقوبات الأمريكية. وأتت تعليقات ظريف حول المراسلات المحدودة بين مكتبه والإدارة الأمريكية بعد أن طرح علنياً مسألة تبادل السجناء يوم الأربعاء الماضي.
المراقب القديم للعلاقات الأمريكية الإيرانية يعلم تماماً أن حوراً جدياً بين واشنطن وطهران بخصوص تبادل السجناء يعني انخراطاً بناءاَ بين البلدين وله القدرة على تخفيف التوتر في العلاقة بينهما وربما يؤدي إلى فتح قنوات اتصال تفضي إلى فهم أفضل لنوايا كل طرف بخصوص مسائل أخرى أيضاً.
والملاحظ أن ظريف، منذ ذلك الحين، لجأ إلى مقابلة حصرية مع رويترز من أجل إرسال بعض الرسائل الهامة لإدارة ترامب. وقد تم تسجيل المقابلة في مقر البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة في نيويورك. أشار ظريف إلى التالي:
* وفقاً للتقديرات الإيرانية، ليس لدى ترامب أية نوايا بخصوص شن حرب على إيران، لكن الفريق B، المؤلف من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، مصر على إحباط الحل السلمي للخلافات الإيرانية – الأمريكية. فقد يدفع هذين الصقرين نحو القيام بعمل يؤدي إلى تصعيد الأزمة التي ستؤدي إلى تطويق ترامب.
* لا تسعى إيران إلى مواجهة مع الولايات المتحدة ولكن يجب ألا يخفى على أحد أنها ستلتزم الدفاع عن نفسها.
* إيران كانت ملتزمة بضبط النفس إلى حد كبير وهذا كان واضحاً إزاء حقيقة استمرار البحرية الأمريكية بالعمل في مضيق هرمز. وتسمية الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية من قبل قادة البنتاغون لا يعني أبداً أي تغيير في قواعد السلوك بين الجيشين الإيراني والأمريكي. وطهران راضية عن هذا الفهم إلا أنها ستتصرف في مواجهة أي تغيير يطرأ على قواعد السلوك أو قواعد الاشتباك (بما في ذلك الجيشين).
* بعبارة أخرى، تتوقع إيران من واشنطن الالتزام بقواعد الاشتباك التي كانت تنظم كيفية التعامل مع القوات الإيرانية
بالطبع، محمد جواد ظريف هو دبلوماسي محنك تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وتم تعيينه في البعثة الإيرانية في نيويورك للعمل كدبلوماسي وله شبكة واسعة من العلاقات على المستوى الشخصي مع النخبة الأمريكية. وللتأكيد، فإن كلماته المنتقاة بعناية لوكالة رويترز موجهة لترامب. من الواضح أنه يحاول التخفيف من التوتر وبنفس الوقت يختبر إمكانية البدء بتشارك بناء بين الطرفين.
لطالما كانت إيران براغماتية، ويمكن تصور وجود قنوات خلفية بكل تأكيد. وبالنسبة لترامب فإنه يعلم بلا شك بأن اتباع استراتيجية ممارسة أقصى الضغوط لم تفلح في التغيير من السياسات الإيرانية لا في سورية ولا العراق ولا اليمن. بل على العكس من ذلك، فقد انتقد ظريف علناً هذا الأسبوع المحادثات الأمريكية مع طالبان وأعرب عن دعمه لشكوى الرئيس الأفغاني أشرف غاني لتجاوز واشنطن له. إنها إشارة خفية إلى أنه ما لم يأت الدفع من أجل التقدم فيمكن لطهران أن تصعّب الأمر على الولايات المتحدة. ولكنها، أيضاً، تذكرة قوية إلى أن طهران لطالما كانت قوة مسؤولة خلال الحرب الممتدة عبر ثمانية عشر عاماً وأنها صاحبة مصلحة في الاستقرار والأمن الإقليمي.