جويل إنجل
2018-02-08
.jpg)
مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية
Data & Strategic Studies Center (D.ِA.S.C)
:::::::::::::::
"هذا وقت غير عادي أبداً"
;;;;;;;;;;;;;;;
من كلمات إليانور روزفلت في المؤتمر الديمقراطي
المنعقد سنة 1940 والذي ترددت أصداءه في
الأجواء عالياً لغاية اليوم الحاضر.
***
"جويل إنجل"
صحيفة: الويكلي ستاندرد
التاريخ:8-3-2004 الساعة: الثانية عشرة ظهراً
"هذا وقت غير عادي أبداً"
من كلمات إليانور روزفلت في المؤتمر الديمقراطي
المنعقد سنة 1940 والذي ترددت أصداءه في
الأجواء عالياً لغاية اليوم الحاضر.
جويل إنجل(*)
(*) هــو كاتــب وصحفــي فــي
كاليفورنيــا الجنوبيـــة
صحيفة: الويكلي ستاندرد التاريخ:8-3-2004 الساعة: الثانية عشرة ظهراً
كان فرانكلين روزفلت على وشك إتمام فترته الرئاسية الثانية وطمح بحصوله على فترة ثالثة، إلا أن العرف الشائع الذي وضعه جورج واشنطن كان يقول "بأن الرؤساء يحصلون على دورتين رئاسيتين اثنتين فقط". كما أن السلالة العريقة لفرانكلين روزفلت كانت تردد دائماً "أن إظهار الطموح بشكل علني كان أمراً غير مألوفٍ وغير مستحب على الإطلاق".
لذا، قام روزفلت بفعل ما يمكن لأمثاله القيام به إذ قرر الانتظار حتى انعقاد المؤتمر سنة 1940 وترقب لحظة خلو المؤتمر من البدائل، وهنا تأتي اللحظة الحاسمة والتي يقع الاختيار عليه فيها عبر القرعة كمرشح المعارضة الشهير والذي سيحكم البلاد إرضاءً لرغبة الناس فقط!
وقام بعدئذٍ بالتلميح لهم بأنه لن يرضى تسلم مقاليد الحكم ما لم يسمعهم يرددون الترنيمة المعهودة "نحن نريد روزفلت" وخصوصاً على ألسنة هؤلاء النواب في شيكاغو.
من الطرافة أن نفكر في أن الشعب كان قد اعتاد اختيار مرشحيهم الرئاسيين خلال انعقاد تلك المؤتمرات والتي لم تكن كإعلانات التلفاز المعدة مسبقاً بل كانت تلك المؤتمرات استعراضاً واضحاً وعنيفاً لاستعراض القوى بوجود ستة متنافسين مع الأشخاص الذين يقومون بدعمهم، ستشاهدهم وهم يتعاركون سياسياً وبشكل صارم وعنيف للتغلب على بعضهم والفوز بمنصب الرئاسة في النهاية. إلا أن روزفلت لم يكن ضمن تلك الأجواء الصاخبة في شيكاغو، إذ كان في طريق عودته إلى واشنطن. ولكن يبقى هناك حضوره المعنوي العظيم في الأذهان والذي كان قد بدد أي احتمال لبروز المرشحين الآخرين على الساحة. يالها من استراتيجية ذكية!.
وبعد مرور ثلاثة أيام وليالٍ على انعقاد المؤتمر كان قد انفض المؤتمر بفوضى ضخمة. من الممكن أن يتخيل المرء درجة الإزعاج والمضايقة التي يسببها هؤلاء النواب فقط لك، فقط إذا تسنت لك فرصة لقضاء أسبوع صيفي وأنت محشور إلى جانب الآلاف منهم داخل الملعب في شيكاغو القديم (حيث سيلعب مايكل جوردان فيما بعد) وأنت ترتدي بذلة بيضاء صوفية، بينما العالم بأسره إما في حالة حربٍ أو على وشك الخوض بها.
وبتوالي الساعات والأيام، بدا احتمال حدوث الأشياء السيئة والفظيعة ممكناً، كاحتمال خسارة الديمقراطيين للبيت الأبيض وفوز الجمهوري "ويندل ويلكي" به ذلك الناقد العنيف في صحيفة نيوديل.
كان الخوف والتوتر قد وصل إلى أوجه في آخر ليلة الثلاثاء وفجأة وبعد مرور عدة دقائق فقط انفجر ذلك التوتر ليصبح التصويت الكاسح والمطلوب والذي كان يحتاجه روزفلت ليحدث، إذ ظهر صوت رخيم فجأة ودونما توقع ليهتف بأعلى صوته: "نريد روزفلت"! "نريد روزفلت" وبدت الحشود الباقية وكأنها تؤدي دورها المكتوب لها في التمثيلية وسارعت إلى الهتاف معه على الفور!
وقد قاد هذا الحدث الكبير إلى احتفالات وعروض عسكرية في الأروقة فيما بعد، صحيح أن أغلبها لم يكن سلمياً بيد أن الترشيح كان قد اتخذ طابعاً رسمياً الآن.
اتضح فيما بعد أن ما فعله حاكم شيكاغو وزعيم الحزب الديمقراطي "إيد كيلي" عندما قام بإرسال كبير الخياطين لديه إلى القبو مسلحاً بمايكروفون وتعليمات خاصة ليبدأ بصنع العباءة في اللحظة المناسبة تماماً. بأنه لم يكن بالأمر الهام أبداً، إذ لولا وجود لحظة كتلك، لما نجحت المؤامرة بشكل كبير، كما ظهر فيما بعد.
إلا أن أهم مافي الموضوع كان استيقاظ النواب في الصباح التالي وقد سيطر عليهم إحساس التبلد والدهشة إزاء ما حصل.
لقد أدركوا أخيراً بأنه كان قد تم استغلالهم بشدة، ولكي يستردوا كرامتهم واستقلاليتهم الضائعة، أصروا على اختيار جون نانسي غارنر بديلاً لروزفلت لمركز نائب الرئيس وصاحب لقب "الصبار" كما اعتادوا تسميته والذي كان قد أعلن اعتزاله للسياسة نهائياً ليقيم أخيراً في مزرعته في تكساس.
وبالرغم من ذلك، كانت تلوح مشكلتين في الأفق، الأولى كانت عدم قدرة النواب على الإجماع على اختيارهم حيث قاموا باستعراض أسماء ستة أشخاص يملكون مؤهلات مرموقة تخولهم استلام منصب نائب الرئيس دون الإجماع على أحد معين بينهم.
أما المشكلة الثانية والأشد، فهي طلب روزفلت لمنافسه هنري. آ.والاس" العمل في حكومته وإشاعة أنه إذا لم يستطع إدخال "والاس" ضمن حكومته، فإنه سيقوم برفض المنصب الذي أوكلوه له. فترة توقف
من المحتمل أن يتفق النواب تحت ظروف أخرى معينة مع "والاس" ذلك اليميني الذي كان سكرتيراً في وزارة الزراعة أثناء ذروة موجة الكساد العظيمة التي اجتاحت البلاد في ذلك الوقت، والذي قام من خلال منصبه ذاك بإنقاذ ملايين الناس من الجوع، بل من المجاعة حتى وذلك بإنشاء مخزن للقمح لتأمين مؤن غذائية كافية للناس، وقام بتثبيت أسعار المزارع أيضاً.
في الواقع، كان من المحتمل أن يقوم النواب بدعمه وتعزيز مكانته وإبرازه كمناوئ شرس "لويلكي".
كان "ويلكي" من أسرة من حزب ديمقراطي و"والاس" من حزب الجمهوري، وفي اللحظة التي فاز بها "ويلكي" بعمل ضخم، ظل "والاس" شخصاً مغموراً وعادياً. إلا أن حاجة النواب لتحدي "روزفلت" والإثبات له أن هذه الدولة كانت جمهورية وليست مَلَكية دفعتهم إلى قول لا لـ"والاس".
وكانوا قد قالوها بملئ أفواههم وبشكل عال لتصل عبر ألف ميل إلى مسامع "روزفلت" في واشنطن. حسناً، لقد سمع رفضهم القاطع "لـوالاس" إلا أنه لم يستجب لأصواتهم أبداً مما أدى إلى غضب النواب الشديد عليه.
لقد استاءوا من ردة فعله تجاههم بشدة وصاروا يتساءلون فيما بينهم عن عدم حضوره هو شخصياً ليخاطبهم بنفسه". من كان روزفلت ليعتقد نفسه؟ فأخبرهم "روزفلت" عبر رُسله من كان ليعتقد نفسه بالضبط.
كان وببساطة شديدة، رئيساً للولايات المتحدة والذي سيرفض ترشيحهم له كرئيس لهم فيما لو رفضوا ذلك الرجل الذي قام باختياره شخصياً. بدت الفوضى الحاصلة في الأيام القليلة الماضية كإيقاع ملائم وواضح للأحداث والتي تطورت فيما بعد نحو فوضى سياسية كبيرة إلا أنها لم تسفر عن أحداث الشغب والإخلال بالأمن بسبب استخدام روزفلت لسلاحه الخاص ألا وهو زوجته.
لم تكن "إليانور روزفلت" بصحبة زوجها الرئيس في البيت الأبيض، بل كانت تمض أسبوعاً لها في "فال-كيل" –ذلك الكوخ ذي الواجهة الحجرية والذي قام الرئيس ببنائه لها في الغابة على ضفاف جدول وبركة معاً عبر الطريق الممتدة على طول أملاك عائلة روزفلت في هايدبارك وعلى مسافة ساعتين شمال مدينة نيويورك.
كان "قال-كيل" هو المكان الوحيد الذي دعته "إليانور" بالمنزل على الإطلاق، وهو المكان الوحيد الذي هربت إليه سواء كان هروبها بسبب الضغوط السياسية أو لعدم ارتياحها في منزل روزفلت، وبينما جلست والدة روزفلت قربه على المائدة واحتلت مكانة خاصة في قلبه، نرى أن "إليانور" قد فضلت الإقامة في مكانٍ آخر بعيداً عن روزفلت وبصحبة أولادها فقط.
استمعت "إليانور" إلى المؤتمر على المذياع مثل روزفلت، وكان قد سألها فيما إذا كانت تريد الذهاب إلى هناك لتتكلم نيابة عنه. فقالت: "لا". لم تكن راغبة بالكلام. (ولربما لم تكن تريد أن تظل السيدة الأولى بعد الآن أيضاً).
ثم قام بعدها روزفلت بالتلميح لها بأنه من الجيد لو تكلمت هي، فسألته "إليانور" إذا ما كان هو بحاجة لها لتتكلم، وأخيراً اعترف بـ"نعم" لقد أرادها أن تتكلم بالفعل ولم تستطع إليانور أن ترفض طلبه ووافقت على الذهاب بالطائرة إلى شيكاغو في الصباح التالي.
لم يمكن ف. روزفلت قد أملى عليها كلمات خطابها، إذ لم يكن في الواقع مضطراً لذلك أصلاً. بالإضافة إلى ذلك، كانت شيكاغو منطقة جديدة بالنسبة لكليهما وللتاريخ أيضاً، إذ أنه ما من سيدة أولى قامت بإلقاء خطاب مافي مؤتمر سياسي ووطني لصالح أي حزب سياسي معين من قبل. لقد علمت ذلك لأنها كانت تحضر تلك المؤتمرات منذ 28 سنة (حتى قبل أن تحصل النساء على حق الاقتراع) ولم تكن تعجبها تلك المؤتمرات أبداً إذا اعتبرتها فجة وجافة وبربرية أيضاً، ولكن برغم ذلك، كانت تعشق الاختلاجات الداخلية التي تولدها أمور السياسة تلك. حطت طائرة "إليانور روزفلت" على أرض "شيكاغو" في وقت باكر مساء يوم الخميس، وقام بالترحيب بها على الطريق الإسفلتي وفد كبير بقيادة رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية جيمس فارلي (والذي كان مديراً للبريد أيضاً) والغريب في الأمر هو أن فارلي كان قد قام بترشيح نفسه بشكل مبكر لاعتقاده بأن المطالبة بفترة رئاسية ثالثة كان خطأ فادحاً حتى ولو تعلق الأمر بفرانكلين روزفلت نفسه. لكن إليانور صعدت إلى سيارة فارلي وواكب الإثنان جيشاً صغيراً من شرطة شيكاغو عبر تلك الليلة الحارة نحو الملعب القديم، وكان القليل من المسؤولين بالإضافة إلى مستشاري روزفلت السياسيين يعملون بحضورها فقط.
فيما بعد، استخدمت إليانور كلمة (عاصمة الجحيم في الفردوس المفقود لجون ميلتون) وذلك لتصف المشهد حالما وصلت إلى هناك. وبدأ الجميع حالاً بالهتاف لها بصوت عال، ورائحة العنف المقموع قد عبقت في الأجواء. إلا أنها حالما ظهرت في الرواق وسارت نحو مقعدها في الصالة الفنية وهي ترفع نصف رأسها بشكل أعلى من غالبية النواب، لاحظها الحشد على الفور. ووقف النواب لها جميعاً، واستغرقت إليانور وقتاً طويلاً لتدرك بأن الصخب قد تحول إلى هتافات تشجيعية لها. واستغرقت وقتاً أطول لتدرك أنهم قد استداروا لها، حينها توقفت إليانور وابتسمت لهم وقامت بالتلويح لهم بالمقابل أيضاً، ولاقى فعلها هذا استحساناً وقبولاً أكبر لديهم.
قامت إليانور بالجلوس بعد ذلك في مقعدها إلى جانب عقيلة "هنري والاس" وانتظرت حلول دورها لتتكلم والذي سيحل بعد آخر خطابات الترشيح المسلمة إلى الناخبين. وهكذا، عادت عاصمة الجحيم لتخيم على أجواء المؤتمر من جديد. وبدا النواب كأطفال سذج في الروضة الذين يصمتوا ويجلسوا بهدوء وأدب في غرفة الصف حالما تدخل معلمتهم إليها، ثم ليعودوا إلى شغبهم وفوضويتهم حالما تغادر معلمتهم الصف.
كان الخطاب الأول بالنيابة عن الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض "ويليام بانكهيد" والذي كان قد لاقى استحساناً عالياً تردد في كل زاوية من زوايا قاعة المؤتمر تماماً كما فعل أغلب الباقين.
كان هدف الرسالة التي تم إرسالها إلى الرئيس هو إبلاغه بأن النواب سوف يقبلون بأي ناخب آخر عدا ذلك الناخب الذي اختاره الرئيس شخصياً. وذلك لأن الخطاب "لهنري والاس" كان الوحيد فقط الذي أحدث الغضب والسخط وقبضات ملوّحة بالغضب والإنكار.
ولربما كان "هتلر" سيلاقي استقبالاً أفضل من استقبالهم "لهنري والاس" على الرغم من قيام الأول بضرب تشيكوسلوفاكيا وبولندا وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبرغ للتو، والذي كان يقصف إنكلترا في نفس الوقت أيضاً.
فاستدارت السيدة "والاس" نحو "إليانور" لتصرخ بصوت عالٍ كفاية ليسمع وسط الضجيج الكريه: "أنا أجهل حقاً لماذا يكرهون زوجي".
انتهت آخر الخطابات حتى ساعة متأخرة من ليلة الخميس وحتى الخيوط الأولى من صباح يوم الجمعة، وحينها جاء دور إليانور لإلقاء خطابها المنتظر والذي كان منصب "روزفلت" كرئيس مرهون بنجاحها أو فشلها في ذلك المؤتمر.
كانت الهتافات قد رافقتها حتى وصولها إلى الميكروفون، إلا أنها كانت تبدو أقل عدداً وهتافاً من ذي قبل، ولم تستطيع أن تحجب بصوتها صيحات التذمر التي غطت القاعة كالصاعقة الخطيرة. "هل سيتوقفون عن فعل ذلك"؟ فإذا لم يتوقفوا ستضيع القضية بأكملها هباءً وللأبد.
ابتدأت "إليانور" خطابها أولاً بمقدمة تمهيدية تشكر فيها "جيمس فارلي" على خدماته الشخصية والجليلة التي قدمها لحزبه. فهتف النواب للباقتها تلك، ولكن وبخفوت الهتافات كانت الهمسات العدائية لا تزال –تجول بينهم-
لقد شعر البعض منهم "أن روزفلت قد قام بإرسال امرأة لتقوم بآداء واجبه كرئيس عوضاً عنه". ولأنها توقعت ذلك مسبقاً، قامت بالتصريح بأنها لم تحضر لهم رسالة الرئيس وذلك لأن ذلك الأمر يعنيه هو فقط لاغير. فساد الصمت في القاعة، إذ لا شيء كان ليضاهي صوتها هي أبداً. وتابعت لتقول: "أنا أعلم جيداً وكما أنتم تعلمون... بأن أي رجل يجلس في مكتبه ولديه مسؤوليات عظيمة ليقوم به، يواجه اليوم مسؤولية أعظم من أي مسؤولية أخرى ربما يواجهها أي رجل في هذه البلاد على الإطلاق. لذا، تجد الأمر خطير وحرج وحساس في آن معاً عندما تكون ناخباً لحزب ديمقراطي عظيم. إنك لا تستطيع التعامل بشأن هذا الوضع تماماً كمعاملتك لعملية الاقتراع في الأوقات العادية. لم يكن خطابها أطول بكثير من عنوان "الغيتسبرغ"، وكما فعل "لينكولن" تماماً، قامت "إليانور روزفلت"، بالتماس خصالهم الأفضل في طبيعتهم.
لقد قامت بالطبع بكتابة الكلمات والتدرب عليها مراراً وتكراراً أثناء رحلتهم الجوية الطويلة إلى "شيكاغو"، إلا أنها نطقتها وكأنها كانت تسمعها في أذنيها، وقد قاطعتها الهتافات مرات عدة وارتفع صوتها بقوة وصلابة كافية ليحقق الهدف الذي سعت إليه بالضبط.
سيتوجب على الجميع أن يسمو فوق كل الاعتبارات المحدودة والضيقة والموالية لصالح حزب ما دون آخر. وأضافت يجب عليكم أن تعلموا بأن الوقت قد حان ليقوم كل الرجال والنساء الصالحين بآداء نصيبهم من الخدمات والمطالبين بها لدعم وتعزيز بلادهم. هذا ليس وقتاً عادياً أبداً، ولا وقت لدينا للتفكير في أي شيء آخر سوى التفكير في عمل الأفضل لصالح بلادنا بأسره. وتلك هي مسؤوليتنا نحن جميعاً "كأفراد في هذه البلاد، ولا يستطيع أي رجل سواء كان ناخباً أو كان رئيساً حتى بتحمل عبئ هذه المسؤولية العظيمة بمفرده. إنما هذه مسؤولية الشعب الواحد المتحد يداً بيد والمحب لبلادهم والمستعد استعداداً تاماً لبذل كل ما يملك فداء لوطنه والذي يسخر أقصى قدراته ومجمل أفكاره ومثله لصالح الوطن، والذي يملك التصميم أيضاً على أن حزبه سيكون مكرساً حتماً لصالح الأمة جمعاء وللنهوض بالبلاد ومساعدتها لبذل أقصى إمكانياتها للعالم أجمع كي يصبح أكثر سعادة وأكثر أمناً أيضاً. وعندما أنهت إليانور حسابها، اختتمت أعمال المؤتمر أخيراً وقام النواب بالنهوض والتصفيق الحار لها. واستطاع روزفيلت الحصول على والاس ذلك الرجل الذي اختاره شخصياً ضمن حكومته على الفور وبعد مضي أربع سنوات أخرى، غض الديمقراطيون النظر عن صحة روزفيلت المتدهورة بشكل متزايد، وقاموا بترشيحه لفترة رئاسية رابعة ، إلا أنهم أصروا خطياً على استبدال والاس بالسيناتور هاري ترومان والذي كان قد اكتسب لنفسه سمعة وطنية طيبة كرئيس للجنة الفرعية للتحقيقات الحكومية المتعلقة بأمور تبديد الأموال في الحرب وقام الجمهوريون بتحريض طوم ديوي ضد روسفالت إلا أنها كانت فترة أقرب إلى تعليق الترشيح له لسنة 1948. كانت الحملات التي شنت ضد رجل الحرب والرئيس الذي لم يفوت الفرصة في تذكير شعبه بأنهم كانوا في زمن الحرب كن ذلك أشبه بسيزيف وهو يضع صخرة على ظهره ليصعدوا بها إلى أعلى التلة كانت إحدى القضايا التي قاموا بإثارتها أثناء الحملة ضده هي سوء تصرف "روزفلت" لأموال الضرائب وتبذيره لها في سبيل نقل كلبه "فالا" معه في أرجاء البلاد بالإضافة إلى صحته المتدهورة بشكل واضح.
كانت تهمة سوء صحته فارغة إذ أصر "روزفلت" على التشبث بالكذبة التي أقسم عليها معالجيه الفيزيائيين وجميع من أحاط به ضمن عالمه الداخلي الخاص بأنه لا يشكو شيئاً وأن صحته جيدة وفاز مرة في ماراتون للمشي، إلا أنه كان قد توفي بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر من تسلمه لمقاليد الحكم في البلاد.
وفي وسط السخط والاحتجاج الذي ظهر مؤخراً بشأن استغلال الرئيس بوش لأحداث 11 أيلول في إعلانات حملته الانتخابية تلك أصبح من الضروري بالنسبة لكلا الطرفين أن يتذكروا "روزفيلت" وزوجته "إليانور" كشخصيات فذة تذكرنا كما قال "بسمارك": "بأن السياسة هي فن الممكن" أي أنها وسيلة الإقناع الناجح عبر الكلمة والفعل والصورة. وهذا أيضاً وقت غير عادي أبداً".